الثلاثاء، 6 أبريل 2021

استعارات ماركس اللاهوتية - جودت جالي

 

تبين دراسة الفيلسوف الارجنتيني أنريك دوسيل (ولد في العام1934) المترجمة من الإسبانية الى الفرنسية بعنوان (استعارات ماركس اللاهوتية) والمنشورة في عدد مجلة يورب الفرنسية الخاص بماركس (ماركس والثقافة، آب-أيلول 2011)
كيف أن استعارات ماركس من الكتاب المقدس قد فتحت حقلاً تأويلياً (هيرمينوطيقيا) جديداً ووظفت معاني الاقتباسات في مجال مجازي مختلف كلياً عن وظيفتها في الأصل, ولم تكن غاية ماركس طبعاً إقامة دليل علمي، بل التوظيف البلاغي، ولكي نعطي مثالاً على كثرة تمثل ماركس بعبارات من الإنجيل فقد أحصى دوسيل له بخصوص نهاية العالم (أو القيامة) فقط حوالي 50 استعارة في كتاب رأس المال.
هذا القدر القيامي، المصير الحتمي للنظام الرأسمالي هو النهاية الطبيعية للبنى الاجتماعية الرأسمالية برأي ماركس. من ناحية أخرى وكما في يوم الحساب يقف الناس ليتلقوا ثمار ما جنت أيديهم، وكل منهم موسوم بعمله، فإن استعارة النقش على العملة النقدية تؤدي الغرض عنده حيث توسم المصائر الفردية في النظام الرأسمالي بسمة المال كما كان السادة يسمون عبيدهم على الجباه وهذه استعارة إنجيلية. يحيلنا ماركس من بين ما يحيلنا اليه في استعاراته الى حوار في إنجيل لوقا نصه: " أروني درهما وقولوا لي لمن الصورة والنقش عليه؟ قالوا: لقيصر. فقال لهم: حسن إذن ردوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله".
تقول عبارة أخرى في الإنجيل " ولكن يسوع قال له: اتبعني، ودع الأموات يدفنون أمواتهم" (موجود في إنجيل Matthieu 8,22). في العام 1843 عندما كان ماركس شاباً ويتهيأ لمغادرة المانيا ليبدأ رحلة المنفى الطويلة، كتب الى صديق قائلاً: " دع الأموات يقبرون أمواتهم، ويبكونهم، وبالمقابل فإننا نتوق الى أن نكون نحن أوائل من يدخلون أحياء في الحياة الجديدة. فليكن هذا القدر قدرنا!"، وفي العام 1852 عاد ماركس الى هذه الثيمة في (18 برومير): " يجب على ثورة القرن التاسع عشر أن تدع الأموات يقبرون أمواتهم لتنجز مشروعها"، ونجد صدى لهذه الصيغة في العام 1849 في تضامن مع العمال الذين كانوا يطردون من العمل نتيجة المكننة المتسارعة في المعامل: " السادة الرأسماليون لن يعدموا لحماً ودماً ليلغوا فيهما (يقصد أن المكننة لن تزيح تماماً الأيدي العاملة) وسيتركون الأموات يقبرون أمواتهم،(....) ولكن الرأسمال لا يعيش فقط من العمل. إنه سيد متفوق وبربري معاً، يجر الى قبره جثث عبيده". كما هو واضح يوجد هنا توظيفان، في التوظيف الأول يعطي الاستعارة معنى العبور الى نظام جديد فيما يكون الرأسمال في التوظيف الثاني قبراً، أو بالأحرى شيطاناً ميتاً يعيش على حياة العامل. هذه الصورة مطابقة تماما لصورة (الزومبي) أو مصاص الدماء في الأعمال الأدبية والسينمائية الحديثة التي تلقى رواجاً. يقول ماركس " الرأسمال عمل ميت يشبه مصاص الدماء لا ينشط إلا بامتصاص العمل الحي".
نقرأ في مزامير النبي داود: " كما يتوق العبد الى عذب المياه/ كذلك تتوق روحي اليك يا ربي/ روحي ظمأى الى الرب، الرب الحي" (موجود في Psaume 42) في الإحالة الى هذا المعنى يصور ماركس الرأسمالي عبداً للمال، لإله صنم، عندما يتعطل المال في أيدي الرأسماليين أوقات الأزمات إذ أنه " كما يتوق العبد للماء العذب يصرخ المال صراخ المستغيثين معبراً عن توقه الى ميدان يمكنه فيه أن يحصل على اعتراف بكونه رأسمالا" و " كما ينشد العبد الظمآن نبع الماء الصافي كذلك روح البرجوازي تصرخ، تنادي المال، الغنى الوحيد الأوحد".
توظيف العبودية عند ماركس يستند تماماً الى مغزى دلالي لاهوتي فالعبد مسلوب الإرادة، والرأسماليون بعبادتهم المال، والعمال بتحولهم الى عبيد، يستغلهم الرأسماليون على حد سواء " لا تظهر القوة الاجتماعية لهؤلاء الأفراد بوصفها قوتهم الخاصة بل بوصفها قوة غريبة عنهم تستقر خارجهم (....) لا يستطيعون السيطرة عليها، بل على العكس، تجري سلسلة من مراحل وخطوات التطور، متوالية من الأفعال مستقلة في هذه النقطة عن الإرادة والمبادرة".
يستثمر ماركس من المزامير والأناجيل بالتلميح تارة وبالإشارة الصريحة تارة أخرى عدداً كبيراً من المقاطع كهذا المقطع: " معبوداهم المال والذهب/ وهما من صنع أيديهم/ لهما فم ولا يتكلمان/ وعيون ولا يبصران/وآذان ولا يسمعان/ وأنف ولا يشمان/ وأيد ولا يلمسان/ وأرجل ولا يمشيان/ ولا يصدر عن حنجرتهما أي صوت". يجد ماركس في هذه الصنمية الموصوفة تعبيراً ملائماً تماماً عن خلق الرأسمالية لأصنامها التي تقدم لها القرابين من البشر. يكتب ماركس بخصوص قانون سرقة الخشب إحالة الى هذا المقطع: " الخشب مناسب للحرق، يتدفأ المرء على ناره ويخبز خبزه، ويصنع منه كذلك ربّاً يسجد له، يصنع منه تمثالاً ويعبده" (موجود في Isaie 44, 15 ).
من المستحيل هنا ذكر كل إحالات ماركس الى الإنجيل ويكفينا القول إن القارئ يصادف دائماً في أعماله إحالات " استعارية" الى الكتب المقدسة. في بعض الحالات يوجه الدلالة باتجاه البرهنة على أن الرأسمالي بقدر ما يتحدث عن الإيمان بالله والكتاب المقدس فهو يخالفهما بالفعل و لا يعبد في الحقيقة سوى صنم. الرأسمال حسب رأيه نقيض للمسيح. يتحدث ماركس باستمرار مجازياً عن التضحية بالعامل قرباناً للصنم. هذه البنية الرمزية والمجازية موازية ومتزامنة مع البنية " المنطقية" والفلسفية الاقتصادية والعلمية في كتابه (الرأسمال). يذكر ماركس نصاً ما قاله وزير انجيليكاني هو في الوقت نفسه راعي كنيسة زعم بأنه من قوانين الطبيعة أن يكون الفقراء عديمي الفطنة عاجزين عن صعود السلم الاجتماعي لكي يوجد دائماً من يقوم بالأعمال الخدمية والوضيعة، أما قوانين إغاثة الفقراء " فتميل الى تدمير هذا الانسجام والجمال، هذا النظام والتناسق اللذين أقامهما الله والطبيعة في العالم"!!
المصدر:
Europe, août-septembre 2011. Marx et la Culture. Les métaphores théologiques de Marx, par Enrique Dussel.
May be art of 1 person and indoor


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق