يوم صيفي حار، كنت أشعر بدخيلتي بالقلق دون أن اعرف السبب، كنت أريد في قرارة نفسي أن أكون في لبنان، وليس في الكويت، كنت أريد أن أكون بين رفاقي في ثورة الأرز، كان يوم ٢١ حزيران ٢٠٠٥ ليس كمثله يوم، رن هاتفي ذلك اليوم باكرا، لم أكن معتاداً من وليد أن يتصل باكرا فهو ليس ممن يستيقظون في الصباحات الباكرة، أتى صوته من بعيد باكيا قال ثلاث كلمات وأقفل الخط ” قتلوا أبو انيس”. بقيت واقفا مذهولاً غير مصدقاً للخبر، ذهبت الى بيت نبيل حاوي شقيق جورج كان يبحث عن طائرة تقله من الكويت الى بيروت، كنت أنوي أن أرافقه، كان هناك مقعد واحد، أوصلته للمطار وحجزت لنفسي على طائرة العصر. استقبلني وليد في المطار وأقلني الى منزل أبا أنيس دون أن أقول كلمة واحدة، انها المرة الأولى التي لا يستقبلني فيها جورج حاوي بابتسامته الأبوية، كانت المرة الأولى التي لا يعلق فيها على وزني عند الباب بمجرد أن يستقبلني، كنت أبحث عن طيفه في البيت، كنت أبحث عن بسمته لم أجدها، كان الحزن مخيماً على الجميع، لم أحتمل البقاء، فقد البيت فجئة كل حيويته.
قبل أسبوع من وفاته إتصل بي وسألني إن كنت أستطيع أن أحضر الى بيروت، أتيت وإلتقيته قال لي سنعود للعمل، وإتفقنا أن نسافر معاً الى ليبيا، واليمن وكردستان، ذهبت للسفارة اليمنية في بيروت وضعت الفيزا على جوازي، وكان يجب أن نلتقي لنسافر معاً، تركني في محطة الإنتظار وسافر لوحده، إنها أول مرة يخلف أبا أنيس وعده معي.
طال ارتحالك ما عودتنا سفرا أبا المساكين فإرجع نحن ننتظر
سألته حين التقيته قبل مقتله، عن سبب إستخفافه وعدم إتخاذه تدابير أمنية، ضحك وقال لي ” لا تقلق يا رفيق، لا أحد يريد أن يقتل جورج حاوي”. أخطأ هذه المرة أبا أنيس فهو لم يقدر مدى حقدهم عليه، وهو المقاوم الأول، والمحاور الأول، صاحب المبادرات الوطنية، لم يكن إغتيال جورج حاوي صدفة، بل كان قراراً واعياً الهدف منه تعطيل منطق الحوار، والتغيير، فمن كان أقدر منه على الحياد، وخوض الحوارات مع المتناقضين.
في ذكرى اغتيال جورج حاوي، لن أتكلم عن دوره في مقاومة إسرائيل، ولن أتكلم عن وطنيته، ولن أتكلم عن أدواره العربية والقومية، سأطرح سؤال واحد على رفاق جورج حاوي المخلصين لقضيته، من قتل جورج حاوي؟ هل فعلاً لا تعلمون؟ الم يكن هناك أي دليل في سيارته؟ من كان داخل سيارة جورج حاوي قبل الإغتيال؟ وماذا ترك خلفه؟ هل تخافون من الإشارة الى قاتله؟
أخرج علينا يا سيد حسن نصرالله وأحلف يميناً أن لا يد لحزبك بإغتيال قائد مقاومة إسرائيل؟
أخرج علينا يا حنى غريب وقل لنا أن قاتل جورج حاوي لا يعيش بين ظهرانينا.
كان أكثر ما يقلق النظام السوري بعد إغتيال الرئيس الحريري وجود شخصية مثل جورج حاوي في صفوف ثورة الأرز وذلك لفكره ولقدرته على المناورة، والحشد، والمواجهة، لبنانياً وعربياً، فهو من أشجع قادة الرأي في لبنان، فضح عمالة الطبقة السياسية للنظام السوري، وقال لهم ” عيب ان يقبل السياسي اللبناني بأن يستدعيه ضابط سوري ويقبل منه الإهانة لأنه مرتبط به بالسمسرات، والسرقات، والمصالح الإقتصادية”، كان يريد إسقاط رأس النظام الأمني الذي نصبه النظام السوري حاكماً على لبنان، كان يريد إسقاط ذلك القاطن في قصر بعبدا، ويحتفي بقتل شهدائنا، ويبارك قتلهم، ويمشي بجنازتهم، وقف يومها البطريرك صفير بوجهه ورفض إسقاط الرئيس الماروني في الشارع، رغم كل تاريخه النضالي الناصع، أخطأ البطريرك صفير وتسبب منعه باسقاط إميل لحود، بسقوط مزيد من الشهداء، وبإطالة عمر النظام الأمني اللبناني السوري، وتكريس وجوده في لبنان.
النظام السوري ليس بريء من دم جورج حاوي.
لو خرج علينا بشار الأسد، وحلف بكل الكتب السماوية إنه لم يأمر بقتل جورج حاوي، لما صدقناه.
دم جورج حاوي بعنق أهل بيته الذين كانوا أكثر من أهانوه في مماته بتجهيلهم قاتله، رغم علمهم به.
أظنها طلقات الغدر حين هوت تكاد لو أبصرت عينيك تعتذر.
يفترض بعد مرور كل هذا الوقت تقديم إثباتات تدعم الاتهامات ...تقول أن جورج حاوي كان من أهم من قاوموا إسرائيل فلماذا تستبعد ضلوع إسرائيل في اغتياله ..ثمة العديد من الشبهات حول مسيرة هذا المناضل وبشكل خاص طريقة التخلص من نيقولا شاوي ..لا أظن أنه كان يمثل خطر على وضع سوريا ودورها في لبنان فهو كان فرد لا يحظى بدعم حزب أو جماعة منظمة ولا أدري كيف كان يمول رحلاته التي ذكرها المقال لكن في النهاية لا أنكر أهمية دوره في إطلاق المقاومة ضد العدو الإسرائيلي وأتمنى أن نعرف خلفيات اغتياله ولا أظن أن ما حدث بعد اغتيال الحريري يستجق تسمية ثورة خصوصاً بعد أن راينا توافق زعماء الطوائف على قانون انتخابي متخلف أيده بقوة كل رموز تلك الثورة المزعومة
ردحذف