الأحد، 12 فبراير 2017

رأي... من لا يطاع – 7 . اديب نعمة


فكرة اعتراضية عن الطائفية: بعضنا يعتبر الطائفية الشر الحصري الذي به تفسر مصائب السياسة الراهنة كلها، كأنها "لعنة" او "صيبة عين" تكفينا عن البحث عن أسباب أخرى لفهم الأداء السياسي الراهن وتغييره، ويذهب بعض هذا البعض في سلوك يجمّل سلوكياته الانعزالية على أساس رفض الطائفية. يقابل ذلك من يعتبر ان وصم أي سلوك بأنه طائفي هو طريق العبور الى قلوب وقناعات شريحة واسعة من الناس. فما يؤدي الى العزلة هناك يؤدي الى الشعبية - الشعبوية هنا.
لم يعد بإمكاننا التعامل مع الطائفية على هذا النحو التقليدي والكسول. لعل مقال جهاد الزين في النهار منذ يومين الذي قارب الطائفية وقانون الستين من منظور التقسيم الإداري الانتدابي، يشكل دعوة الى نقاش من منظورات جديدة لهذه المسألة أيضا، ذات الصلة الوثيقة بالجدل الدائر بصدد العملية الانتخابية اليوم.
عودة الى السياق من حيث انتهى الرأي السادس الذي لا يطاع، وكان الكلام قد بلغ الفاعل الوسيط الثالث في بناء حراك مواطني: أي الجمعيات والنشطاء الفاعلين من مواقع مدنية (اترك موضوع النقابات لوقت لاحق). هؤلاء يزداد دورهم في ظل انحسار دور الأحزاب، وفي ظل طغيان الدور الحربي – الحزبي – التعبوي لوسائل الاعلام، بانتظار فعالية اكبر للجسم الصحفي المستقل.
ثمة مسؤولية خاصة تقع على الجمعيات بصفتها مؤسسات تمتلك هياكل وقدرات بشرية وتنظيمية، وتملك في الوقت نفسه تاريخها الخاص والجماعي مع جمعيات أخرى في العمل المواطني. تحتفظ قلة من المؤسسات بهذا الدور المستقل إزاء السلطة وإزاء الممولين، في حين يتراجع غالبا الدور المواطني بما هو فعل تغييري بالضرورة في وضعنا، لصالح الانجراف في العمل الاحترافي (بالمعنى السلبي) وفق مشاريع وبرامج، لا وفق رؤى واستراتيجيات تحويلية، وسط تبعية متزايدة – واعية او غير واعية – لأجندات الممولين وطرق عملهم التي تتحول بفعل الممارسة الى طرق عمل الجمعية اللبنانية نفسها، معزولة عن مسارات التحويل المجتمعي.
عندما لم تقم الأحزاب ولا الجمعيات الممأسسة بدورها في البلدان العربية، تحرر الاحتجاج الشعبي من سقوف الأحزاب والجمعيات واتخذ شكلا شعبيا مباشرا في الشارع، بدءا من تونس ومصر (2101 – 2011) وصولا الى الحراك الشعبي صيف 2015 في لبنان. كان خروجا من القمقم من حيث الشكل (النزول الشعبي الكثيف الى الشارع)، ومن حيث المضمون الذي استهدف التغيير السياسي الداخلي مباشرة ودون مواربة (الشعب يريد اسقاط النظام). كانت حالة صارخة لمجتمع بأسره يطرح التغيير السياسي الصريح من موقعه المدني المواطني، دون ان ينظر اليه او ان ينظر الى نفسه بصفته حزبا او تيارا سياسيا.
في لبنان اليوم، الانقسام واضح بين عصبة السياسيين أصحاب السلطة الفعلية خارج المؤسسات الدستورية وداخلها (مجلس إدارة لبنان، الخلية الحاكمة... او أي تسمية تريدونها)، وبين المجتمع المدني (بمعنى غير السياسي). وإذا اردت ان اصف التناقض الجوهري المهيمن حاليا، فهو بين المجتمع السياسي السلطوي، وبين المجتمع بشكل عام، او ما يمكن اعتباره المجتمع المدني بما يعنيه مجموع الناس في معاشهم الاقتصادي والاجتماعي. وفي رأيي، هذا ما يفسر درجة التطرف في سلوك السلطة الفعلية (مجلس الادراة) وإغتنام مؤسسات الدولة بشكل فج ووقح واحتقار الناس (بما في ذلك المناصرين)؛ وتجاهله يفسر في الوقت نفسه قصور الجمعيات الناشطة عن رؤية جوهر المشكلة وجوهر الدور المدني المواطني المطلوب منهم القيام به، بما هو احداث تغيير سياسي حقيقي من موقع مدني ومواطني، وليس الاندراج في مسارات متحكم فيها مسبقا من قبل أصحاب السلطة، ووفق قواعدهم.
هي مواجهة بين المجتمع المدني والمواطني، وبين مستقرّ السلطة الكامن في مجلس الإدارة – الخلية الحاكمة التي اغتنمت مؤسسات الحكم الدستورية والدولة، والتي يجب ان يوجه الضغط ضدها ومن اجل تعديل قواعد اللعبة السياسية الغنائمية (ان لم نقل تغييرها) هو هدفنا المعلن والفعلي في آن.
فهل تذهب الجمعيات، ومجموعات وافراد الناشطين في هذا الاتجاه حقا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق