-->
404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة
  • العودة الى الصفحة الرئيسية
  • الجمعة، 16 سبتمبر 2016

    جورج حاوي: هكذا انطلقت أولى رصاصات “جمّول”

    جورج حاوي: هكذا انطلقت أولى رصاصات “جمّول”




    في السادس عشر من أيلول العام 1982، وبينما كانت القوات الاسرائيلية تثبّت نقاط احتلالها لبيروت، خرجت الصحف اللبنانية ببيان حمل توقيع الأمينين العامين للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي ومنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم بإعلان “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”.
    البيان التأسيسي يمكن اختزاله بعنوان “إلى السلاح…”، وهي العبارة المدوّية التي غسلت عن بيروت احباطها، فراحت تقاوم الاحتلال الاسرائيلي، وأجبرته على الانسحاب السريع، بعد أقل من أسبوعين، من دون مفاوضات أو شروط، في سابقة عربية، يحق لأبطال “جمّول” أن يفخروا بأنهم كانوا أول من سطّر فصولها، بدمهم وعرقهم وتضحياتهم.
    في مقابلة مع إذاعة “صوت الشعب” في العام 1999، روى الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي ظروف تشكيل “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، وحكاية الرصاصات الأولى، وبيان الانطلاقة.
    تحية إلى أبطال “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، في الذكرى الرابعة والثلاثين لانطلاقتها، والشهيد جورج حاوي، ينشر “بوسطجي” مقتطفات من تلك المقابلة، وهي شهادة تاريخية، ربما لم يتسنّ لكثيرين سماعها، أو الاطلاع على مضمونها:
    قرار انشاء قوة عسكرية منظمة لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي اتخذ مبكراً في الحزب الشيوعي، وكانت بوادرها في الصراع الذي جرى خلال الأزمة الكبرى في الحزب، والذي لم يحسم إلا في المؤتمر الثاني، على قاعدة وضوح موقفه من القضية القومية بجانبيها المركزيين المتمثلين في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين وتحقيق الوحدة العربية.
    ومن خلال إدراك الحزب الشيوعي، في مؤتمره الثاني، لطبيعة هذا المشروع الصهيوني ومطامعه على الصعيد العربي، وخاصة بالنسبة إلى لبنان، واجه الشيوعيون سياسة البرجوازية اللبنانية التي كانت تعتمد مبدأ “قوة لبنان في ضعفه” في محاولة منها لعزل لبنان عن الصراع العربي -الإسرائيلي وكأنما المسألة إرادية، بحيث يكفي لفريق واحد أن يعلن أنه ليس طرفاً في النزاع لكي يلغي مفاعيله.
    وقلنا إنّ عزل لبنان عن هذا الصراع غير ممكن، لا بل مستحيل، فحتى وإن اخذت الحكومة اللبنانية موقع الحياد، فإن المطامع الاسرائيلية في لبنان وطبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي، وارتباط لبنان المصيري بالأمة العربية سيجعلان منه ساحة للصراع، وبالتالي يجب ترتيب الوضع اللبناني على قاعدة هذه المواجهة، وليس على وهم التلفت من موجباتها.
    على هذا الأساس، دعونا إلى مهمات تتعلق بالسلطة اللبنانية، كتحصين الجنوب، وبناء الملاجئ، وتعبئة القوى السياسية والعسكرية، واعادة النظر في العقيدة القتالية للجيش اللبناني وتربيته واعداده، والتنسيق مع الدول العربية كسوريا ومصر (آنذاك) والعراق، والجبهة الشرقية، وتنفيذ قرارات الجامعة العربية في هذا الصدد، حيث سبق للجامعة العربية أن اتخذت قرارات ايجابية شكلياً في هذا المجال.
    قلنا أيضاً إنّ على القوى الشعبية أن تستعد، وفي ظل رؤيتنا لطبيعة هذا الصراع، وفي ضوء تخاذل السلطة اللبنانية آنذاك، قررنا إنشاء صيغة شعبية، اي خارج إطار السلطة الرسمية، يمكنها ملء الفراغ المتمثل في موقف السلطة اللبنانية. فنشأ على قاعدة ذلك “الحرس الشعبي” في إطار مهمة مواجهة العدوان الاسرائيلي على الجنوب، وتحصين قراه في مواجهة هذا العدوان، وتحولت قوتنا العسكرية هذه في الجنوب، إلى نوع من العلاقة التحالفية مع الوجود الفلسطيني، الذي ازداد في تلك الفترة أيضاً.
    ولكننا كنا نستنتج تباعاً، وخاصة بعد عدوان العرقوب الأول، والاجتياح الاسرائيلي في العام 1978، الذي ادى الى احتلال قسم عزيز من ارضنا في البقاع الغربي والجنوب، أن المواجهة المباشرة على قاعدة الجبهة العسكرية بين جيشين لن تكون في صالح القوى الوطنية والفلسطينية. وأمام قناعتنا بحتمية وقوع عدوان اسرائيلي محتضن أميركياً، وحتى من قبل أطراف دولية أخرى ورجعية محلية، وعدم قدرة المواجهة العسكرية على قاعدة جيش لجيش أن تنتصر، فإن النتيجة الحتمية ستكون أن الاحتلال الإسرائيلي سيطال أجزاء لبنانية واسعة، وبالتالي لا بد من تحضير القوى العسكرية لمبدأ القتال على قاعدة حرب الأنصار، أي بعد استتباب الاحتلال، ومن وراء خطوط العدو، لكي تربك قواته وتمنعها من التمركز، وتمنع عنها الراحة والاستقرار، وتستنزفها، وتستنهض الوضع الشعبي والسياسي في مواجهتها، لتفرض عليها الانسحاب.


    على قاعدة ذلك، اتخذنا قراراً في اللجنة العسكرية في الحزب، ثم في المكتب السياسي واللجنة المركزية، بتقسيم العمل العسكري إلى اربعة قطاعات:
    – التشكيل الأول، وقد اسميناه “القوات”، وهي تشكيلات نظامية مدرّبة جيدة ومقاتلة، اتخذنا قراراً بجعلها خمس كتائب بواقع كتيبة لكل محافظة.
    – التشكيل الثاني، كان “الميليشيا” وهي تضم الرفاق المتطوعين، المساندين لـ”القوات”، والمشاركين في المهمات لشهر أو أسبوع أو يوم بجانب الجسم المتفرغ.
    – التشكيل الثالث، وهو القوات الامنية، ومهمته ضمان أمن الحزب والقوات المسلحة للحزب، في إطار مشاركتها في العمليات ضد العدو الاسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية.
    – التشكيل الرابع، اسميناه “القوات الخاصة”، وكان نواة المقاومة، التي اعلنت بصيغة سياسية هي جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي.


    وقام الحزب الشيوعي مسبقاً، أي قبل الاجتياح، وتحديداً منذ اجتياح العام 1978، بتحضير الكوادر والنواة القيادية في كل محافظة، وخاصة في الجنوب وبيروت والجبل والبقاع، من أجل بناء هذه القوات الخاصة، أي هذه القوات المقاومة للاحتلال، وقد مُنعت من المشاركة في العمليات العسكرية ضمن إطار المجابهة المباشرة، كي لا تدمّر أو تستنزف أثناء تقدّم العدو، ولكي تكون قادرة على العمل بعد استتباب الاحتلال.
    وعندما بدأ العدوان الإسرائيلي، كان رأي الحزب الشيوعي واضحاً من خلال استقرائه السياسي للاحداث والمعلومات التي حصل عليها، نتيجة علاقاته الداخلية والعربية والدولية، أن الاجتياح لن يتوقف عند حدود الأربعين كيلومتراً، كما كان مقرراً على الصعيدين الاقليمي والدولي، بل أن اسرائيل ستطوّر هذا الاجتياح لتصل الى حدود بيروت بالذات، لتحقيق هدفين، الأول هو اجلاء المقاومة الفلسطينية بشكل كامل عن لبنان، بكل ما لها من بنية تحتية وتجهيزات ومقاتلين، والثاني تأمين وصول بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، وهو أمر لم يكن ليتحقق لو اكتفى العدو الاسرائيلي في احتلال شرق صيدا، أو محاصرة صيدا أو حتى دخولها، إذ كان لا بد من احتلال بيروت حتى تتحقق هذه المهمّة.
    وعلى ضوء ذلك، سرّعنا اجراءات تنظيم المقاومة في بيروت والجنوب والجبل والبقاع.
    وخلال اجتماعين للجنة المركزية، ترأسهما رئيس الحزب آنذاك الرفيق نقولا الشاوي، تم اخذ قرار بإنجاز هذه الترتيبات لتكون المقاومة جاهزة لعملياتها فور استتباب الاحتلال، وتسمية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كشعار سياسي يؤطر ليس فقط الحزب الشيوعي، وانما ايضاً القوى الحليفة والصديقة والراغبة في قتال الاحتلال الاسرائيلي، بمعزل عن نتائج هذا الاحتلا في نسبة القوى الاسرائيلية من جهة، والفلسطينية-السورية-اللبنانية المواجهة من جهة اخرى، حيث كان هذا التعاون الثلاثي على أفضل حاله في ذلك الوقت.
    ومن خلال ذلك، قمنا بترتيبات مع الرفاق في منظمة العمل الشيوعي وحزب العمل الاشتراكي والتنظيم الشعبي الناصري وفصائل يسارية وناصرية أخرى تحضيراً لهذه الأجواء، غير موهومين بنسبة القوى، ولكن واثقين بأن المهم هو ارادة الصمود وارادة القتال، وأن هذه الشرارة ستؤدي إلى اشتعال الحقل بكامله، ثم أن هذا الأمر سيصبح ككرة الثلج التي سرعان ما ستصبح ضخمة.
    وعلى هذا الأساس، وعندما اكملت اسرائيل احتلالها لبيروت اثر مقتل بشير الجميل، كنا قد اطلقنا الترتيبات النهائية لبداية العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي لبيروت، فقاوم رفاقنا هذا الاحتلال على محاور عديدة من محور الكولا إلى محور وطى المصيطبة ومحور مستشفى بخعازي، حيث سقط لنا ثلاثة شهداء، كتبوا بدمهم بيان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في السادس عشر من ايلول العام 1982، وهم جورح قصابلي ( ومحمود )قاسم الحجيري ومحمد مغنية. وكنت اسكن، والرفيق نقولا الشاوي، في منزل قريب جداً من موقع القتال، على مسافة بضعة أمتار، وانتقل كل منّا، بعد ذلك، الى المكان المحدد سلفاً للعمل السري، وذهبت للقاء بمن توافر، بعد الاتصالات، من كوادر الحركة الوطنية في منزل القائد الشهيد كمال جنبلاط، لنقرر هذه الخطوة بشكل مشترك. لم يتمكن من الوصول الى هناك سوى أنا والرفيق محسن ابراهيم، فيما منع القتال نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الرفيق محسن دلول من الالتحاق بنا، وكذلك الدكتور سمير صباغ من “المرابطون”، وآخرين من الحركة الوطنية، وهنا كتبت انا، واذعت باسمي وباسم الرفيق محسن ابراهيم، بيان انطلاقة “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” ضد الاحتلال الاسرائيلي.
    كان هذا الامر يبدو، بالنسبة إلى القوى السياسية الأخرى، مجرد موقف مبدئي أو رمزي، أو مجرّد اعلان بالرغبة في قتال العدو، وكان الجميع تقريباً يشك في امكانية نجاح هذه الخطوة على المستوى التطبيقي والعملي. قليلون جداً كانوا يؤمنون بأن ارادة الشعب، عندما تتوافر لها قيادة ثورية، تستطيع أن تحقق المعجزات. البعض الآخر اعتبر هذه الخطوة مجرّد هروب إلى الأمام، ونوع من الجنون، أمام نسبة القوى الاسرائيلية، ومقولات من قبيل “الجيش الذي لا يقهر” و”التكنولوجيا التي لا تقاوم” و”التغطية الجوية والبحرية والارضية للعدوان”…. وكل منطق الهزيمة التي عوّدتنا عليها الجيوش العربية والأنظمة العربية، والتي تكرّست أيضاً في بعض المواجهات غير المشرّفة التي جرت في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي خلال اجتياحه للبنان، من القوات المشتركة والمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، حيث أن معارك بطولية وقعت، ولكن انهيارات سريعة ايضاً حصلت، فزاد ذلك من الاحباط في الجو الوطني العام.
    من جهتنا، في القيادة السياسية للحزب الشيوعي اللبناني – اللجنة المركزية والمكتب السياسي – كنا واثقين بأن هذه الخطوة هي الجواب التاريخي – الثوري على الحدث التاريخي- الرجعي المتمثل باحتلال عاصمة لبنان، من قبل اسرائيل، بحماية دولية ورعاية اقليمية.
    وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن التحضير للعملية الأولى من اولئل الابطال المبادرين، سواء في قيادة الحزب الشيوعي، او من العناصر المحضرة والمنفذة للعمليتين قرب صيدلية بسترس ومحطة ايوب ومقر منظمة التحرير، بالاضافة الى عملية نوعية قام بها الرفاق في الحزب السوري القومي الاجتماعي في مقهى الويمبي في الحمرا… كلها كانت مقدمة لسلسلة عمليات فاجأت الاحتلال الاسرائيلي، ومنعته من الانتشار والتمركز في بيروت، وظلت تلاحقه، حتى اتخذ قرار الانسحاب الفوري، وبدأ يذيع عبر مكبرات الصوت، طيلة ليل بكامله، متوجهاً إلى أهالي بيروت، لأنه لم يكن يعلم من أين تنطلق ضده العمليات: “يا اهالي بيروت، لا تطلقوا النار علينا نحن منسحبون غداً”.
    وتحت ضربات ابطال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فُرض اول انسحاب للاحتلال الاسرائيلي عن ارض عربية من دون مفاوضات أو شروط، لتكرّس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بذلك بداية عصر جديد لنهوض حركة التحرر الوطني العربية والحركة الثورية العربية الجديدة.

    هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق

    الناشر : محمود الحجيري

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق

    جميع الحقوق محفوظة ل زهرة الكرز
    تصميم : عالم المدون